عقب فيلم "كليوباترا".. جولدا مائير تنكأ جراح المصريين
قبل نحو شهر على الذكرى الـ50 للصراع بين البلدين
عقب عدة أشهر قليلة من تفجير موجة غضب عارمة داخل الأوساط الثقافية والأثرية ومنصات التواصل الاجتماعي بمصر، جراء بث فيلم "الملكة كليوباترا"، بدأ العد التنازلي لعرض فيلم "جولدا مائير" في دور السينما الأمريكية.
واحتدم الجدل مجددا في مصر بشأن عرض فيلم يتناول السيرة الذاتية لجولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية التي قادت بلادها خلال حرب أكتوبر عام 1973، وذلك قبل نحو شهر واحد على الذكرى الخمسين للصراع.
والفيلم من المقرر أن يعرض يوم 25 أغسطس الجاري في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو للمخرج الإسرائيلي الحائز جائزة الأوسكار غاي ناتيف، وبطولة الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار هيلين ميرين، وكُتب على البوستر: "إسرائيل 1973.. امرأة وقفت بين الانتصار والهزيمة".
وعُرض الفيلم بافتتاح مهرجان القدس السينمائي الذي أقيم مؤخرا في دورته لهذا العام 2023، وهو يقدم رواية سياسية وتاريخية جديدة تنضم لسلسلة الأفلام التي تناولت الأحداث السياسية والعسكرية المفصلية في تاريخ إسرائيل.
وتدور أحداث الفيلم خلال حرب استمرت 3 أسابيع، والتي انتصرت فيها مصر والجيوش العربية على القوات الإسرائيلية، وسيركز الفيلم على صنع القرار الذي اتخذته مائير خلال الحرب، وعلاقتها المعقدة مع وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر.
ميلاد وأحداث
وولدت جولدا مائير عام 1898 في مدينة كييف الأوكرانية قبل أن تهاجر إلى إسرائيل، وهي أول وآخر امرأة تتولى منصب رئيس وزراء في إسرائيل بين عامي 1969-1974، وتوفيت في عام 1978.
وهذه ليست أول مرة يتم طرح شخصية جولدا مائير على الشاشة، فقد أُنتج عام 1982 فيلم تلفزيوني بعنوان "A Woman Called Golda"، وعرض على 150 محطة تلفزيونية حينها، وكان يروي سيرة ذاتية لرئيس الوزراء الإسرائيلي جولدا مائير من إخراج آلان جيبسون وبطولة إنجريد بيرجمان.
ويكنّ المصريون الكراهية لرئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير، خاصة أنها كانت متطرفة في العداء لمصر والعرب، والذي بدا بوضوح من خلال أقوالها حيث قالت مائير: "كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلًا فلسطينيًا واحدًا على قيد الحياة".
وعندما سئلت عن أسوأ يوم وأسعد يوم في حياتها فقالت: "أسوأ يوم في حياتي يوم أن تم إحراق المسجد الأقصى، لأنني خشيت من ردة الفعل العربية والإسلامية، وأسعد يوم في حياتي هو اليوم التالي، لأنني رأيت العرب والمسلمين لم يحركوا ساكنا".
واستفزت جولدا مائير العرب، عندما قالت: "يمكننا أن نسامح العرب على قتلهم أطفالنا، ولكن لا يمكننا أن نصفح عنهم لإجبارهم إيانا على قتل أطفالهم".
وتداول رواد منصات التواصل الاجتماعي في مصر والدول العربية بوستر الفيلم، متهمين إياه بتزييف التاريخ واستعراض الأحداث بعدم موضوعية وانحياز لتل أبيب ضد القاهرة.
ورجح هذا الاتجاه تصريح لمؤلف الفيلم، إذ قال: "من وجهة نظرنا كانت جولدا قائدة عظيمة، كنت أرغب في صنع فيلم يحكي ما حدث بالفعل وما كان عليه قادتنا في ذلك الوقت حقًا".
وتوقع آخرون أن الفيلم الإسرائيلي سيسلط الضوء على إخفاقات الاستخبارات الإسرائيلية في حرب 1973، وكيف قادت جولدا مائير الحرب وتحملت اللوم على مقتل ما يقرب من 3000 جندي في الأيام الأولى من المعركة.
وكانت تتسم مائير بالعدوانية والشراسة والدموية داخل الأوساط السياسية على مستوى العالم، ولُقبت داخل تل أبيب بـ"أم إسرائيل الحديثة"، و"المرأة الحديدية"، كما وصفها الكاتب الإسرائيلي بوعز أبل باوم، بأنها "تجيد التلون كالحرباء".
أفلام إسرائيلية
بدوره، قال هاني بشر، مخرج ومنتج أفلام وثائقية مستقل، ينتمي فيلم “غولدا” إلى سينما ما بعد حرب أكتوبر، وهي أفلام تختلف في خصائصها عن تلك التي أُنتجت قبل الحرب.
وأضاف بشر، في مقال نشر على إحدى المنصات الإعلامية، أن هناك تقسيما متعارفا عليه للسينما الإسرائيلية إلى مرحلتين، الأولى قبل حرب أكتوبر والتي كانت تجنح نحو التفاخر بالقدرات العسكرية الإسرائيلية خاصة بعد هزيمة العرب عام 1967.
وأوضح أن المرحلة الثانية تتمثل في ما بعد حرب أكتوبر، وهي تميل إلى القصص الإنسانية والرمزية واستجلاب التعاطف بعيدا عن روح النصر والفخر مثل فيلم "يوم القيامة" للمخرج الإسرائيلي من أصول عراقية جورج أوفاديا إنتاج عام 1974.
وتابع: "من المثير للانتباه أن أفلام المرحلة الثانية أقل بكثير من المرحلة الأولى رغم مرور نصف قرن الآن على اندلاع هذه الحرب، ويعزو النقاد الإسرائيليون هذا إلى شعور الصدمة الوطنية الذي لا يزال يرافق الإسرائيليين عند ذكر كل ما يتعلق بحرب أكتوبر".
ورغم أن هناك روايات إسرائيلية ترى أنها قد انتصرت عسكريا وسياسيا في حرب 1973، لكنه انتصار باهظ الثمن خلَّف مئات القتلى والآلاف من الجرحى، واستدعى تحقيقا موسعا عرف باسم لجنة أغرانات والتي مثلت أمامها مائير، بحسب بشر.
استفزاز الأفروسنتريزم
وفي مايو الماضي، بثت الشبكة الأمريكية الترفيهية نتفليكس "Netflix" فيلم كليوباترا، ظهرت فيه الملكة المقدونية كامرأة إفريقية ببشرة سمراء وشعر مجعد، في خطوة وصفها المؤرخون بـ"الترويج للأكاذيب والتزييف للتاريخ".
واتهم رواد منصات التواصل الاجتماعي بمصر آنذاك، المنصة الأمريكية بتشويه وتزييف الحضارة الفرعونية المصرية، بظهور الملكة كليوباترا من أصول إفريقية.
والملكة كليوباترا السابعة، هي آخر ملوك الأسرة المقدونية التي حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 قبل الميلاد، واستمر حكمها لعام 30 قبل الميلاد، عندما احتلت روما مصر.
وقبل وصول كليوباترا إلى الحكم في مصر، كانت الأسرة البطلمية تعيش خفوتا لافتا إذ عجلت الملكة باحتلال الرومان لمصر، حيث كانت تتمتع بفطنة عسكرية واجتماعية كبيرة.
وشهدت مصر في تلك الفترة من حكم كليوباترا نهضة قوية في الاقتصاد والحياة السياسية، وقامت الملكة بزيارة روما ومقابلة قيصر، وشعرت وكأنها أصبحت ملكة على روما ومكثت هناك عامين قبل مقتل يوليوس قيصر.
وتأسست الأفروسنتريك أو "الحركة المركزية الإفريقية" على يد الناشط الأمريكي إفريقي الأصل موليفي أسانتي في الثمانينيات من القرن الماضي، بهدف تنمية الوعي حول الثقافة الإفريقية عبر التاريخ، وتسليط الضوء حول تلك الهوية وأهميتها في الولايات المتحدة وأوروبا.
وتسعى الحركة إلى نشر الوعي حول كيفية هيمنة الأوروبيين على حضارة الأفارقة، عبر الاستعمار والعبودية، على سبيل دعم اتجاه التفاخر والتقدير بالانحدار من أصول إفريقية.